هل تتذكّر معي مشهد الطفلتين في بداية المقال؟
الطفلة التي كانت تنسج الحروف، مع أختها في الغرفة ذاتها وفي الوقت ذاته، نزعتا الورقة من رحم الدفتر عند النقطة الأخيرة في السطر، ثمّ افترقتا… وهما ما زالتا بجانب بعضهما.
رسمت كلٌّ منهما طريقها بالطريقة التي تُفضّلها:
من حملت الألوان اختارت حياةً مكرّرة موروثة سطحية،
ومن حملت القلم اختارت طريق المعرفة قبل العلم.
كان من المفترض أن يكون مستقبل الطفلة التي كانت تنسج الحروف منذ نعومة أناملها أفضل بكثير، لكنّ طموحها تجاوز سقف البيت الذي يأويها.
من التناقضات التي نعيشها اليوم أننا نجتهد لحصد أكبر قدر ممكن من المعرفة، ثمّ بعد حينٍ من الزمن، نجد أننا بالطريقة نفسها التي سعينا بها نحوها، نُضيف إليها كلمة أخرى لتصبح (جحيم المعرفة).
السؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا هذا التناقض العجيب؟
هل الخطأ في المعرفة نفسها؟
أم في مكتسبيها؟
أم في البيئة المحيطة بهم؟
كذلك الوعي، مع مرور الوقت، يتحوّل إلى لعنة — لعنة الوعي.
منذ صغري وأنا أبحث عن إجابة لهذه التساؤلات:
هل نحتاج إلى وعيٍ أكبر كي نحذف تلك المفردة التي تسبقه؟
أم أن اكتساب قدرٍ أكبر منه يسبب لعنةً أعظم؟
أو ربما لم نكتسب المعرفة بالشكل السليم، حتى تحوّلت إلى جحيم؟
لماذا يجعلنا التفكير المنطقي والخروج عن المألوف نشعر أننا أفضل ممّن حولنا؟
ثم، على حين غِرّة، يظهر مثقفٌ يشدّ ربطة عنقه بإحكام، كما لو أنه يربط أفكاره الموروثة في ذاكرةٍ خاوية، ويقول بصوتٍ أجشّ:
«أسعد الناس هم الذين لا يفكرون.»
حينها تدرك أن من يدّعي الثقافة أشدّ خطورةً على المجتمع من الجاهل.
من هذا التصريح ومن أمثاله، أجدني أقترب من الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها في الأعلى:
لماذا أصبحت المعرفة جحيمًا، والوعي لعنة؟
الجواب — على الأغلب — أن السعادة أصبحت مرتبطة بالتكرار والإعادة في مجتمعٍ يقدّس الأفكار الموروثة،
لا لأنها صحيحة أو عادلة،
بل لأنها من أساطير الأوّلين الذين يرون أن التفكير خارج الصندوق شذوذٌ عُرفيّ، لا ارتقاء فكريّ… انتهى (النص الثاني والأخير)



إرسال التعليق